النّاقد والشّاعر محمد بازي في حوار لـ «اليمامة»: من الصعب أن نبحث في الذّهنيات حين يتعلـق الأمر بالموروث الشعبي




الشاعر والناقد المغربي المعروف بتأسيسه لنظريته حول التقابلية في النقد العربي.. يكتب ويبدع بطريقة خاصة سحرية ومشوقة.. وجمع بين النقد والتراث والإبداع مؤكداً أنه يسير في اتجاه رسم معالم نظرية عربية أصيلة تجتهد في إقامة صرح منهجي عربي.

نبدأ بكتابك الموسوم «العنوان في الثقافة العربية، التشكيل ووسائل التأويل» قلت العنوان إظهار خفي ورسم للمادة المكتوبة إنه توسيم وإظهار.. ماذا تقصد بالتّوسيم والإظهار؟
-هذا الكتاب هو كتاب يهتم بقضايا العنونة في التراث العربي ومداخل هذه العنونة، والمقصود هنا بالتّوسيم هو أن العنوان يسم أي يكون بمثابة الوسم أو الاسم أو السّمة التي تميز كتاباً ما عن غيره من الكتب، فهو توسيم يعتمد الاسم لذلك قيل بأن الاسم مشتق من السّمو والعلو فهو تشريف وتكريم للمسمى، أما الإظهار فالمعلوم أن العنوان يكون على ظاهر الكتاب وبالتالي فالعنوان تكثيف أو إظهار لمقاصد موضوع الكتاب، فهو توسيم من حيث كونه يسمى ويسم ويفرز ويميز الكتاب مع غيره من الكتب داخل المكتبة وداخل السوق التي يتداول فيه الكتاب وبين الباحثين، ثم إظهار بمعنى أنه إخراج للخفي، الذي لا يطلع عليه القارئ لأوّل وهلة غلو وضعنا الكتب كلّها دون عناوين لايحتاج هذا إلى جهد من القارئ للاطلاع على كل الكتب وهذا طبعاً يتطلب وقتاً، فالعنوان هو بمثابة عملية تيسر على القارئ معرفة الكتاب بسهولة والتوجه إليه بسهولة ومن ناحية أخرى مزج الكتاب داخل حقل معرفي وداخل اتجاه من الاتجاهات المعرفية وبالتالي فهو كذلك يكتسي هذه الصبغة التواصلية بين الكاتب والقارئ.

نص سورة الفاتحة
قلت في نفس الكتاب إن نص سورة الفاتحة هو عنوان للقرآن الكريم.. ماذا تقصد بهذا؟
- العنوان عادة يكثف ويلخّص مضامين النّص، فكما يقال هو نص مصّغر لنص مكبّر كون العنوان دائماً هو اختزال وتلخيص لمضامين الكتاب والنص وعندما نقرأ الفاتحة كما أشار إليها المفسرون وعلماء القرآن، نجدهم أشاروا إلى أن الفاتحة تتضمن كل ما ورد في القرآن، وبأن ما ورد في الكتب السّماوية السابقة يختزله القرآن الكريم وما ورد في القرآن الكريم بأجمعه تختزله الفاتحة؛ ولذلك قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: «لو شئت أن أوقّر سبعين بعيراً على أم الكتاب لفعلت» بمعنى بأنها عمل لو أردنا شرحه وتفسيره وتمثل معانيه لكتبنا ما يحمله سبعون بعيراً من الكتب، لأنها جاءت في بداية القرآن فنعتبر بأنها تتضمن أهم المقاصد الكبرى والأصول المعرفية والعقائدية للكتاب وبالتالي تكفي قراءة الفاتحة لمعرفة هذه الأشياء، أنا حاولت أن أرقى بالعنوان من المستوى المعروف في نظرية العنونة من العنوان الذي لا يتجاوز الكلمة إلى العنوان النص، وبالتالي بعد أن شرحت هذا ووضحته عن طريق التمثيل وعن طريق التوضيح من خلال الأمثلة قصدت بتحوله من كونه كلمة إلى عنوان نص والمقدمة إذا اختزلت مضامين الكتاب، وبناء على هذا الطرح وفيه توسيع للمفاهيم يمكن أن نقرأ دواوين شعرية انطلاقاً من مقدماتها وأن نعتبر هذه المقدمات سواء كتبت من المؤلف أم من غيره عناوين، فوظيفة العنوان تبقى حاضرة في هذه المقدمة لأنها تقوم بنفس الوظائف التي يقوم بها العنوان من تلخيص وتواصل واختزال للمضامين، العنونة تتدرج من بنية العنوان الصغرى المتمثلة في كلمة على ظهر الغلاف إلى عنوان أوسع وهو العنوان النص ثم بعد ذلك ما اسميه أنا بالتقابلات النواة الدلالية لما تبع ذكره.

القرآن يختلف
بهذا الطرح الجديد كيف تقرأ السّور التي لا تشير مطلقاً لبعض الأنبياء ولكنها تتحدث عنهم، موسى عليه السلام مثلاً؟
- هنا إذا اعتبرنا أسماء السور في القرآن الكريم هي عناوين للسور، فكما نعرف للنص البشري إستراتيجيات بينما في النص القرآني تختلف فقد يحدث تطابق تاماً بين العنوان وبين النص، وقد تكون علاقة تجاور أو إيحاء وأحياناً قد تكون علاقة مخالفة، هذا نابع من تصوّر الصاحب العنوان والوظيفة التي يود أن يعطيها لهذا العنوان، أما بالنسبة للقرآن الأمر يختلف تماماً فإن كانت بعض السور القرآنية تحمل أسماء بعض الأنبياء مثل سورة نوح سورة إبراهيم.... فهذا لا يعني أن ما يوجد في السورة ينطبق على العنوان فكما نعرف العناوين في القرآن الكريم هي توقيفية ليست من صناعة البشر، ويمكن أن ننظر لها على أن النص القرآني لا يخاطب فقط هذا النوع من القراء الذين يبحثون عن الترابط ما بين نص السورة وعنوانها، وربما القرآن الكريم يستوعب كل أنماط القراء الذين يجتهدون في إيجاد هذه العلاقات ولأنه نص معجز نرى فيه هذا العنصر الإيجابي.

تيار معرفي صعب
قيل عنك إنك أبحرت ضد التيار حين نبشت في ترسبات ذاكرة الميمونين في كتابك الجوهر المكنون في كلام أولاد ميمون؟
- هذا الكلام يحتمل أني أبحرت في مجال صعب، ويحتمل أني بحثت في تيار معرفي صعب وهذا صحيح، فعندما تواجه تراثاً شفوياً يضيع باستمرار، فمعنى هذا أنك تسلك ممرات صعبة لأنك تبحث في الذهنيات وتبحث في الكلام الشعبي الذي يرتبط بالشفوية أي لم يتحول بعد إلى مستوى المكتوب، وهو فعلاً بحر فعندما تبحث في كلام ما زال في أذهان الناس فأين ستجده! فعملية الجمع تتطلب الاستماع إلى الناس وسؤال الناس والتواضع إلى الناس واستدراجهم بهدوء وروية من أجل الإفصاح عن هذه الذخيرة؛ وإن كان هذا هو المعنى فهذا فعلاً عمل صعب واستطعنا أن نجمع في هذا الكتاب حوالي 2000 مثل وهو ليس عملاً سهلاً لأن جمع الذاكرة التي تضيع باستمرار، وهذا الكتاب هو احتفاء بالكلام الموروث والحكمة وإضافة إلى الجمع شرحت الأمثال وهو متن جيد يمكن أن يعتمد في الدراسات المقارنة كيف أن الحكمة تتشابه عربياً وعالمياً.

الإبداع والنقد
أختم بسؤال جمعت بين الإبداع والنقد والتراث، التعليمية، حلم يود محمد بازي أن يتحقق؟
- هذا التنوع يعكس اهتمامات قبلية واهتمامات آنية واهتمامات مستقبلية، فأما الاهتمامات السابقة فهي ما صدر من كتب سابقة تعكس اهتمامات قبل عقدين عندما كنت طالباً، أما الآنية فمنها الاهتمام التربوي لتكوين الأطر والأساتذة في العالم العربي والمغرب خصوصاً، ومن الاهتمامات الآنية النقد فتتعلق بما أعمله الآن وما أنا منشغل به، أما الرافد الثالث فهو ما يتعلق بالمنهج التقابلي وبناء نظرية تقابلية في النقد العربي، وصياغة مبادئ لنموذج تقابلي تجدون صورته الأولى في التأويلية العربية، وقريباً تقديم ما أنا اشتغل به في كتاب بعنوان: «الكون البليغ» يسير في اتجاه رسم معالم نظرية عربية أصيلة تجتهد في إقامة صرح منهجي عربي يكون بديلاً ومعرفة بديلة.

اترك تعليقا: