كتاب "العنوان في الثقافة العربية "للدكتور محمد بازي



رشيد الحاج صالح
يحتفي كتاب "العنوان في الثقافة العربية.. التشكيل ومسالك التأويل"، لمؤلفه محمد بازي، بقضية مدى ارتباط العنوان بالنص المعنون، سواء كان هذا النص دراسة أم رواية أم قصيدة أم مقالة.
وغيرها الكثير. ويركز المؤلف، في هذا السياق، على الجانب التأويلي والجمالي، في صناعة اختيار العنوان، موضحا ان العنوان يرتبط بهوية النص ويعبر عنها، وقد يكون مراوغا يلجأ إلى جمالية التنافر والتمويه، كما يمكن أن يكون جذابا ومثيرا بحيث يغري بقراءة المادة المكتوبة. أو ربما يتمكن من اختزال فكرة النص بشكل كامل. ويحتمل ايضا، ان يعبر عن مقاصده البعيدة، على الرغم من أن العلاقة بين العنوان ومواد النص، لا تكون دائماً مرآوية، إذ من الممكن أن نجد عناوين فارغة لا تدل على المضمون.
ويذهب المؤلف إلى أن الاهتمام بالعنوان، وبجودته وجماليته، أصبح امرا يمثل مظهراً حضارياً وثقافياً، ذلك لأن العنوان، طبقا لنظريات النص الحديثة، عتبة قرائية وعنصراً من العناصر الموازية التي تسهم في تلقي النصوص وفهمها، وكذلك تأويلها داخل فعل قرائي شمولي يفعّل العلاقات الكائنة والممكنة بينهما.
ونجد المؤلف يحاول تلخيص وظائف العنوان بـ: التحديد، الوصف، الإيحاء، الإغراء. ويرى ان هذه الوظائف تضمنتها الاستعمالات الدلالية المختلفة لكلمة العنوان في الثقافة العربية، في سياقات شعرية وتداولية عديدة. وكنا نجد بعض العناوين تمارس أكثر من وظيفته في الوقت ذاته، أو تحضر فيها وظيفة أكثر من الوظائف الأخرى.
وتقوم العنونة، بحسب بازي، على مجموعة من العمليات الذهنية واللغوية والجمالية المفتوحة على إمكانات واختيارات عديدة، يدخل فيها ما هو موضوعي وما هو جمالي وما هو تأويلي. وكذا ما هو تجاري، ذلك بقصد إغراء القارئ والترويج للكاتب. ويشير المؤلف هنا، إلى ان العرب أدركوا هذه الأهمية الاستثنائية للعنوان في كتبهم. ولذا نجدهم اهتموا به كثيراً من الناحية الجمالية واللغوية. ومن هذه العناوين: الدر المنثور، الأنيس، البحر المحيط، العباب، الباب
.
ويختار بازي توضيح نقطة مهمة هنا، مفادها أن الفهم الكامل للعنوان، قد لا يتحقق اعتماداً على المسالك اللغوية والنحوية والبلاغية دائماً، وفي هذه الحالة فإن استراتيجية انفتاح العنوان على السياق، بكل إمكانياته، تصبح ضرورة تأولية لا غنى عنها، بحيث تتوسع القراءة عبر الموسوعة والذخيرة والنصوص الموازية. وكذا: مختلف الآراء، مقدمة الكتاب. وغيرها الكثير من ما نعتبره بنيات معرفية مقابلة للعنوان لحظة التفهم والتفهيم . فكل تأويل لابد من أن يوضع في السياق الذي ينتمي إليه.
ويفرد المؤلف فصلاً كاملاً للحديث حول بلاغة العنوان في القرآن الكريم، ولا سيما سورة الفاتحة، ليجد أن هناك آراء كثيرة في تفسير تسمية الفاتحة لأول سورة في القرآن الكريم، مبينا انه ذهب السيوطي إلى أن سبب تسميتها بالفاتحة يعود إلى اشتمالها على كل المعاني التي في القرآن.
وأما سيد قطب فيُرجع ذلك إلى اشتمالها على كليات العقيدة الإسلامية. ولعل هذا ما يفسر كثرة الأسماء التي أعطاها الفقهاء ورجال الدين للفاتحة، فهي: المثاني، الكنز، الوافية، الحمد، الرقية. ولكل من هذه الأسماء، معنى وغاية.


الكتاب: العنوان في الثقافة العربية.. التشكيل ومسالك التأويل
تأليف: محمد بازي
الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون ــ منشورات الاختلاف، بيروت، الجزائر ـ 2012
الصفحات: 95 صفحة
القطع: المتوسط

اترك تعليقا: