إلى مرفإ الحب الوحيد، وتوأم الروح، المستتيرة وجوبا في
القلب، والبارزة توكيدا.. أميمة؛ نبض القلب وبؤبؤ العينين.
قال أبو تمام: "كم منزل في
الأرض يألفه الفتى وحنينه أبدا لأول منزل"
لا تحيا
النصوص إلا بتهافت القراء عليها، قراء ينفخون الروح فيها، كل حسب عدته المعرفية،
وشهيته القرائية. ومن النصوص ما يتجاوب مع نفخة القارئ مرات، ومنها ما يتجاوب معه
مرة أو مرتين، ومنها ما يولد فيموت في الحين، فلا يجدي معها النفخ نفعا؛ لأنها ما
استوفت أشهر الولادة، أو لأنها ولدت ولادة قسرية، أو لأنها سلمت نفسها للقارئ من
أول لقاء فتولى قتل ما تبقى من أنفاسها وولى عنها مدبرا كأن لم يقرأها أو يسمع
بها.
تُعرف بعض
النصوص التي سيطول بها العمر، من عنوانها، أو من غلافها الخارجي، أو من اسم صاحبها
إذا كان ممن يشهد لهم بامتلاك ناصية الشعر أو النثر، أو هما معا.
إنها مؤشرات
متوفرة في الرواية التي ستشكل موضوعا لهذه الورقة، وسندلل على زعمنا بعد حين، وهي
رواية "مرافئ الحب السبعة" للأديب الدكتور علي القاسمي.
سنقارب هذا العمل، باعتماد نظرية التأويل التقابلي كما قعد لها الدكتور
محمد بازي في مشروعه التنظري[1][2]. وهي –بحسبه- استراتيجية قرائية لصناعة المعنى، يمكن الاشتغال بها لفهم النصوص
والخطابات وتفهيمها، وهي اختيار إجرائي أسه محاذاة المعاني بعضها ببعض، والتقريب
بينها في الحيز الذهني والتأويلي، عبر مواجهتها(وجها لوجه) لإحداث تجاوب ما، أو
تفاعل معرفي، أو دلالي تقابلي. يمكن الاستفادة منها في تذوق النصوص وتشقيقها،
وفهمها وتفهيمها، مدرسيا وجامعيا. إنها نظرية تعيد بناء النص وفق مجموعة من
المداخل: النحوية، والتركيبية، والصرفية، والأسلوبية، والبيانية، والدلالية،
والرمزية في الخطاب موضوع المقاربة التأويلية.
بتعبير آخر،
تستند هذه النظرية في التحليل إلى ما يسميه صاحبها الدوائر الصغرى (استثمار ما
يتعلق بالبنية الدخلية للنص) والدوائر الكبرى (استثمار معطيات خارج النص).
سنعمل على
الاستفادة من هذه النظرية من الناحية المنهجية، وسنبدأ بالعتبات، لنؤسس انطلاقا
منها فرضية القراءة، والتي سنجيب عنها بعرض الفكرة الرئيسة للرواية، ثم نذيل
مقالتنا بالآفاق المحتملة للرواية.
1 عتبات تثير الناظرين
لاتكاد العين
تستسلم لجاذبية العنوان وبهجة الألوان، حتى ينازعها القلب في الافتتنان بهذه
الرواية، فيتدخل العقل، وقد أخذ انطباعات الفؤاد، ليستنطق المخفي في غواية العنوان
وبهجة الألوان، محاولا تعبيد الطريق نحو المعنى الثاوي بين دفتي الرواية، وذلك
بوضع افتراض/ات تؤسس لأفق انتظار القارئ.
نبصر في
الواجهة الأمامية للرواية، اللون الأصفر كأنه حبيبات تراب، يغطي مساحة كبيرة من
الغلاف، على شكل خريطة، إذ تخترق هذه الصفرة صفرة باهتة ترمز إلى مواقع جغرافية
(دول). في وسط أعلى الصفحة اسم المؤلف (علي القاسمي) بخط أسود، مضغوط، غير ناصع.
وأسفل اسم المؤلف بلون أحمر، مضغوط، عنوان الرواية (مرافئ الحب السبعة). وفي وسط
الصفحة حبل أحمر، سميك، على شكل قلب، يتفرع طرفاه إلى الأعلى ناحية اليمين وناحية
اليسار، يخترقان مواقع جغرافية. ويوجد داخل هذا القلب لون أصفر على شكل تراب، وشكل
آخر يمثل موقعا جغرافيا، ناحية اليمين، بصفرة باهتة يحده الجانب الأيمن من القلب. وفي الأسفل، في الوسط تحديدا، اسم الناشر
وأيقونته بخط صغير وسميك المركز الثقافي العربي).
ومن العتبات
المهمة أيضا، ما ذيل به الأديب روايته وهو إشارته إلى زمن كتابة الرواية(كتبت هذه
الرواية في المدة من سنة 2000 إلى سنة 2010، ودفعت إلى النشر في آخر آذار/ مارس
2010). أما الواجهة الخلفية للرواية ففيها السيرة العلمية للأديب، مشفعة بصورته
وبريده الإلكتروني.
وبعد أن
قدمنا توصيفا عاما لعتبات المؤلف، آن لنا أن نستقرئها في ضوء نظرية التقابل لبناء
فرضية القراءة.
تحفل العتبات
–التي أتينا على ذكرها- بتقابلات ظاهرة وباطنة، سنعمل على عرضها ثم تأويلها وفق ما
يمكننا من تأسيس فرضية/ات للقراءة.
اللون
الأصفر
|
مقابل
|
التراب
|
اللون
الأصفر الباهت
|
الوطن
|
|
اللون
الأحمر
|
التضحية/
الحب
|
|
اللون
الأسود
|
الحزن
|
|
مرافئ الحب
السبعة
|
محب
المرافئ السبعة
|
|
علي
|
مقابل
|
العلو
والسمو
|
القاسمي
|
المقسوم
|
|
الحبل
|
العقال/
الشنق
|
تأسيسا على
التقابلات –التي أشرنا إليها- تنبئنا الواجهة الأمامية للرواية أننا سنقبل على
قراءة رواية، موضوعها لن يبرح تعلق الإنسان بالأرض (التراب)؛ إنسان تتنازعه عواصم
العالم، فيبادلها الحب بالحب، لكن يظل قلبه وفيا ومتعلقا دائما وأبدا بالحب الأول،
وهو مسقط رأسه، ومهوى فؤاده. وذلك ما يدل عليه الجزء القابع من الخريطة داخل
القلب. إذا، فالوطن قطعة من القلب لا يمكن استئصاله البتة، فهو مستعد ليفديه بدمه،
كما يتضح ذلك من الحبل الأحمر الذي يحده.
"مرافئ
الحب السبعة"، عنوان يضعنا أمام محب رحالة، لا تكاد سفينته ترسو في ميناء،
حتى يجدف نحو ميناء آخر، مما يزيد من ألم شعوره بمغص افتقاد الوطن.
يمكننا،
أيضا، أن نستجلي من العنوان تقابلا باطنيا، انطلاقا من الوقوف عند دلالة رقم سبعة،
الذي يحيلنا إلى سبع سماوات طباقا، وسبع ليال وثمانية أيام حسوما، وسبع سنبلات خضر
يأكلن سبع سنبلات يابسات. وأقرب إلى هذا العنوان، باعتباره مؤشرا مكانيا، ذلك
المكان الذي له سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم.
قلب هذا
الإنسان "الرواية" له سبعة مرافئ، أفضلها مرفأ ترفأ إليه السفينة دون
إياب؛ حيث يذوب جليد الحنين، ويلتصق الإنسان بالوطن ولا يفارقه كرة ثانية.
وعليه، فإن
الجامع بين "مرافئ الحب السبعة" والأبواب السبعة هو الألم؛ الألم الأول
سببه فراق الوطن، أما الثاني فهو حَاصِلُ قوله تعالى" ومن يعمل مثقال ذرة شرا
يره".
إن طريقة
موضعة القلب، وطرفيه الممددين لهما تأويل، مفاده أن حب الوطن في القلب ثابت لا
يتزعزع قيد أنملة، مهما تنازعته أصقاع العالم.
وسط هذا القلب وبخط مضغوط باللون الأسود، تم
تحديد جنس المؤلف، وهو الرواية. إنه موضِعُُ غير بريء؛ فالرواية عادة ما ترتبط عند
القراء بالخيال؛ أي إن أحداثها خارج الذات. وبهذا يود المؤلف أن يلفت نظر القارئ
إلى أنه أمام رواية مكتوبة بدماء أوردته، أو على حد تعبير الأديبة زهرة زيراوي في
مستهل مجموعتها القصصية "نصف يوم يكفي":" ليست سيرة
ذاتية أبدا، غير أني لا أنكر أن أحداثها مرت بقلبي كما تمر لفحة حارة أو نسمة
باردة وتركت شيئا "ما" منها داخلي يسكنني" إنها مؤشرات تذكي
الأسئلة بداخل القارئ، وتدفعه إلى بناء أفق انتظاره للرواية.
وبقي لنا
مؤشران، أولهما اسم الناشر؛ حيث يعطي شهادة بجودة العمل، ويبدد لدى القارئ فكرة
جاذبية العنوان وتنافر المضمون. وثانيهما، اسم المؤلف "علي القاسمي"،
فإذا كنا نسلم أن اسم المرء خارج عن ذاته، إذ يولد في كنف أسرة ما، فتختار له اسما
وتقيم له عقيقة، فينغمس في الشروط الاجتماعية لمجتمعه، فإن ذلك لن يحول دون
تأويلنا لدلالة الاسم، في علاقته بكل ما سبق أن أتينا على تأويله.
قديما قال
أحدهم سميته يحي ليحيا، إذا، فتسمية الأشخاص ليست عبثا، وإنما هناك دوافع دائما
تتحكم في الاختيار. وكما تطرقنا إلى ذلك في جدول التقابلات، فعلي يقابله العلو
والسمو، والقاسمي يقابله المقسوم.
فهذا الشخص
لا شيء يعلو لديه على حب الوطن، وهذا الحب لا يمنعه من قسمة فؤاده على عواصم
العالم، مع حفظ المقام الأعلى لوطنه. إنه القاسم والمقسوم في الآن نفسه.
بهذا المؤشر
نكون قد أنهينا تأويل معطيات عتبات الواجهة الأمامية للرواية، لننتقل إلى تأويل
عتبات الواجهة الخلفية ، والتي سبق
أن أشرنا إليها، وسنعيدها مبرزين تقابلاتها.
زمن كتابة
الرواية
|
مقابل
|
رواية
معتقة
|
صورة
المؤلف
|
التواضع
|
|
سيرة
المؤلف العلمية
|
الخبرة
والتجربة
|
يصادف
القارئ، مباشرة بعد فراغه من قراءة آخر سطر من الرواية، زمن كتابة الرواية والذي
يناهز عقدا من الزمن، ما يعني أن الرواية معتقة وتحتاج إلى القراءة مرات عديدة.
إنها رواية كُتبت على مهل وتحتاج إلى قراءة أكثر مهلا.
أما صورة
المؤلف فتعكس تواضعه العلمي، وذلك ما تفصح عنه ابتسامته العريضة، التي تدفع القارئ
إلى الارتياح له ولروايته، وتدفعه إلى أن يخزن اسمه وصورته في ذاكرته أبدا، فأسمى
ربح يمكن أن يحلم كاتب هو الرأسمال البشري على حد تعبير الدكتور المهدي المنجرة
–شفاه الله-.
يثيرنا لونا
الصورة(الأبيض والأسود)، وهو ما يمكن أن نؤوله إلى حنين الكاتب إلى زمن ولى
أدباره، لكنه ما يزال يواصل فيه امتداده، إذ يأبى ذاك الطفل البدوي بداخله أن
يكبر، فرغم ارتدائه لربطة العنق ومستلزماتها إلا أن خلفية الصورة تعكس تعلقه بموطن
السهول والجبال والأنهار وأشجار الزيتون والأرز والصفصاف، وقس على هذا.
إنه تواضع
يزداد تأكده مع عرض السيرة العلمية الزاخرة للرجل، والتي تعكس خبرة وتجربة
طويلتين. يمكن للقارئ أن يقرأ في ضوئها الرواية، أو يجد فيها تفسيرا لبعض أحداثها،
إذا لم يكن يؤمن بموت المؤلف.
تواضع يزداد
باستعداد المؤلف للتواصل مع قرائه؛ إذ يضع نصب أعينهم بريده الإلكتروني للتواصل
معه.
استنادا إلى
كل التأويلات التي قدمناها، وإلى قراءاتنا السابقة لأعمال الأديب الدكتور علي
القاسمي، والمتسمة دائما بعمقها الإنساني، وكذا بشوقه الدائم لثرى أرض الرافدين،
ننتظر أن تسرد علينا الرواية معاناة الكاتب من فرط اغترابه بين عواصم سكنها ولم
تسكنه، وهي معاناة ممزوجة بالحنين طبعا.
2 الفكرة الرئيسة للرواية
قسم المؤلف
روايته إلى ثلاثة أقسام، هي كالآتي:
القسم الأول: بغداد- بيروت
القسم الثاني: نيويورك،أوستن، تكساس
القسم الثالث: الرباط- الرياض
هي ذي مرافئ
الحب السبعة، التي تدور حولها أحداث الرواية، والتي صاغها الأديب في قالب مائز
يجمع بين الواقعية والخيال، وبين الشعر والنثر. معتمدا تقنيات السرد الروائي
الحديثة؛ حيث وظف تقنيات نذكر منها الاستباق والاسترجاع، وتنويع الرؤية.
تروي الرواية
أحداث مغادرة شابين لأرض العراق مرغمين، إثر موقفهما من الانقلاب العسكري الذي
شهدته، مما جعلهما في قائمة المطلوبين "للعدالة"، فاضطرا لمغادرة البلاد
نجاة بجلديهما على غرار مثقفين كثر، فاختارا لبنان لسبب نقرأه على لسان
"سليم" قلب الرواية النابض، وهو شخص سليم إلى من مرض الحنين إلى أرض
دجلة والفرات "كنت أمني النفس بأن إقامتي في لبنان لن تطول، فالله يغير من
حال إلى حال. ولبنان بعد ذلك كله جزء من وطني الكبير، ولا ينبغي أن أشعر فيه
بالغربة. ففي لبنان أرى روابي وطني الخضر، وأتبين ملامح أهلي في وجوه المارة،
وأسمع لهجتهم تنطق بلغة محببة، وتعانق سمعي أغانينا ومواويلنا وأهازيجنا، وأشم فيه
روائحنا."(ص:44-45).
ولم يكد حبه
يرسو في لبنان حتى انطلق نحو أمريكا رغبة في التحصيل ونجاة بجلده، بعد اغتيال
رفيقه زكي، بإيعاز من أبيه. نقرأ على لسان السارد:
"وصل
أبو سليم إلى بيروت بعد أن بلغه نبأ اغتيال زكي. تحدث مع ولده سليم في الموضوع
فقال له:
-
لقد ناقشت الأمر مع أعمامك وإخوتك، وجميعنا نرى أن من
الخير لك أن تسافر.. تسافر بعيدا عن المنطقة كلها، لمواصلة دراستك العالية. ولعل
الولايات المتحدة الأمريكية أفضل مكان لهذا الغرض."(ص: 87)
شد سليم
الرحال إلى الولايات المتحدة الأمريكية للدراسة، وهناك سيعيش غربة اللسان والمكان
والزمان، وسيتعرف على ثقافة أخرى وأناس آخرين، لكن لا أحد استطاع أن ينسيه أثيرة.
لما اشتدت
وطأة الحنين، وصارت العودة للعراق أمرا محفوفا بالمخاطر، تدبر سليم طريقة للعودة
إلى بلاد عربية، واستقر قلبه على المغرب، بعدما تم قبول طلب التحاقه أستاذا
للتعليم العالي بكلية الآداب بالرباط.
في المغرب
ستخمد جذوة الحنين شيئا ما، لتنقدح جذوة أخرى، فيصبح قلب سليم سليبا بين الأثيرتين،
أولهما أثيرة التي غادرها مكرها ولم تغادره، وقد كنى بها عن بلاده، وثانيهما أثيرة
التي شغفته حبا، حتى إنه جعلها هي والمغرب صنوان لا يفترقان، وجعل حبه للمغرب جزءا
من حبه لها "وأنى لي أن أنسى المغرب وأنت مغربية؟ فحبي لك من حبي للمغرب.
وحبك عمق حب المغرب في جرح فؤادي"(ص: 300). أَحَبها بشغف لأنها لربما بالنسبة
إليه هي العراق الثانية "عينان سوداوان فيهما بوح مبحوح، ونداء مكبوت، عينان
سوداوان اختصرا أحزاني. إنه وجه أشعرني بألفة عجيبة، وكأنه قادم من مجاهل أحزاني،
وجه ارتسمت على تقاطيعه ملامحه فتيات سومر في عاشوراء، وجه تتلألأ في عينيه دموع
عشتار، وزينب، وأمي، وليلى العامرية، ودموع صبايا بغداد يوم استباحها جيش
هولاكو"(ص: 247).
وما فتئت
لعنة الترحال تطارد "سليم الهاشمي"؛ حيث دفعه إغلاق كلية الآداب بالرباط
إلى الرحيل مجددا، وهذه المرة كانت الوجهة الرياض. حيث لبث هناك بعض الوقت قبل أن
يحمله الشوق ثانية للمغرب، الشوق طبعا لأثيرة التي تخلفت عن اللحاق به.
هذه هي
الأحداث الجوهرية للرواية باقتضاب، ويمكننا تلخيصها في برنامجين سرديين:
البرنامج
السردي الأول: انفصال سليم عن أثيرة(الوطن) مرغما، ومحاولته ربط الاتصال من جديد
بالاستقرار في لبنان، غير أن أمواج الرحيل لم تمهله كثيرا حتى أخذته للولايات
المتحدة الأمريكة.
البرنامج
السردي الثاني: انفصال سليم عن أثيرة(الأنثى) وهو ما أعطى للسرد دينامية جديدة،
فغلبت أشجان أثيرة(الأنثى) على أثيرة (الوطن)
إن كل ما سلف
ليؤكد الفرضية التي انطلقنا منها، ويضيف إليها معاناة أخرى، وهي معاناة الحبيب مع
حبيبته.
3 آفاق محتملة
نشير إلى أن
رحلتنا مع "رواية مرافئ الحب السبعة" لما تتم بعد، فما تزال شهيتنا
مفتوحة لسبر أغوارها، غير أن ذلك لن يمنعنا من وضع آفاق للرواية، ستكون محور
مواضيع قادمة –إن شاء الله- وعلى رأسها الظاهر والمضمر في مضامين الرواية، الأنا
والآخر، الاغتراب، ولا ننسى تجنيس المؤلف، والذي يطرح مجموعة من الإشكالات؛ حيث لا
يجد القارئ نفسه أمام رواية ذات بعد واقعي فحسب، بل يجد نفسه أمام رحالة، ويجد
أيضا نفسه أمام سيرة ذاتية، وغيرها من المواضيع المثيرة في الرواية.
إن الأفق
الذي شدنا في رواية "مرافئ الحب السبعة" إلى جانب مؤلفات الأديب السابقة
التي اطلعنا عليها، طابعها التعليمي، الذي لن تحتاج معه لجان التأليف إلى وضع
عبارة (بتصرف) فنحن أمام إنتاجات خبير نهل من معين كلية التربية وكليات أخرى،
ساهمت في بناء حسه التواصلي مع جميع الأجيال وكذا التخصصات؛ إذ يمكن لأي كان أن
يقرأ أغلب أعمال الأديب الدكتور علي القاسمي الإبداعية، دون أن تعتور طريقه صعوبات
الفهم، غير أن الاختلاف يقع في مستوى بناء المعنى.
تثير هذه
الرواية أيضا مواضيع راهنة، وما إخالها ستموت يوما، تستوجب على البرامج التعليمية
الانخراط فيها، مثلا: الديمقراطية، الشرق والغرب، التراث، التاريخ، الوفاء. إنها
رواية تنتصر في عمقها لإنسانية الإنسان أولا وأخير، عبر تكريسها للقيم الإنسانية
النبيلة. وما أحوج أجيال اليوم إلى إتقان فن التواصل، وإلى التشبع بالديمقراطية
ممارسة-لا مصطلحا تلوكه الألسن- وكذا إلى معرفة إرثه وتاريخه !!
إنها أمور
متوفرة في رواية "مرافئ الحب السبعة"، فتعامل سليم مع سوزان، ومع أبيها
السيد روبنشتاين، والأساتذة مع طلبتهم. وحضور التاريخ العراقي خصوصا والعربي
عموما، وضاية عوا وعائشة البحرية كتراثين؛ أولهما لامادي، وثانيهما مادي، وغيرها
من المواضيع تجعل من هذه الرواية مؤلفا يجمع بين المتعة والفائدة، ويستجيب لمجموعة
من المدخلات والمخرجات المسطرة في بناء المناهج التعليمية بالمغرب مثلا.
إنها رواية
تخاطب الذكاءات المتعددة حسب تحديد هاورد كاردنر، وسأمثل لها من الناحية
التعليمية، باعتباره الأفق الذي شدنا في الرواية؛ حيث يمكن استثمار الحدث الذي وقع
لسليم في أول يوم له بالمدرسة، في تنشيط مجموعة من الذكاءات وفي خلق التفاعل داخل
الفصل؛ فالحدث في عمقه يحمل قيمة الصدق؛ قابل للتمثيل، وهو أمر يجمع بين المتعة والفائدة
وكسر رتابة القسم، وقابل أيضا للرسم، وقابل أيضا لتنشيط خيالات التلاميذ، وتشجيعهم
على الإبداع.
وكفى هذا
العمل أنه ينضح بالقيم الإنسانية النبيلة، وهو أمر يجعلنا نجزم بحياته المديدة،
وبعودتنا إلى فتح دفتيه مرات ومرات، وتلكم لعمري هي المناسبة السعيدة لكل باحث عن
المتعة والفائدة، وعن جليس يهديه السبيل السوي.
1.علي القاسمي: مرافئ الحب السبعة، المركز الثقافي
العربي، الدار البيضاء- المغرب/ لبنان- بيروت، 2012.
2.محمد
بازي: تقابلات النص
وبلاغة الخطاب، نحو تأويل تقابلي، الدار العربية للعلوم ناشرون، لبنان، 2010.
.3التأويلية العربية، نحو نموذج
تساندي في فهم النصوص والخطابات، الدار العربية للعلوم ناشرون ، ومنشورات
الاختلاف، بيروت ، لبنان ، 2010، وهو كتاب من الحجم الكبير يقع في 367 صفحة."
نَظَريَّةُ التَّأْويلِ التَّقابُلي مُقَدِّماتٌ لِمَعْرِفَةٍ
بَديلَةٍ بالنَّصِّ والخِطاب، منشورات ضفاف/ بيروت، ومنشورات الاختلاف/ الجزائر، ودار الأمان/
الرباط، 2013. وتقع النظرية في 450 صفحة (25/17).