قراءة في كتاب" تقابلات النص وبلاغة الخطاب، نحو تاويل تقابلي"-الجزء الثاني-




يوسف عابدات                          



الباب الثاني: قراءة في فصول الكتاب:
         الفصل الأول : بلاغة التقابل في الخطاب القرآني ـ سورة الفاتحة ـ
أشار الباحث في مستهل هذا الفصل إلى نماذج من الدراسات التقابلية للنص القرآني، مثل دراسة أحمد أبو زيد حول التناسب البياني في القرآن الكريم، ودراسة فايز عارف القرعان للتماثل والتقابل في القرآن الكريم. وهما دراستان توقفتا - على الرغم من قيمتهما العلمية والمنهجية في مقاربة ظاهرة التقابل في القرآن- عند الحدود التحليلية لمظاهر التقابل وتجلياتها وحدود خدمتها للمعنى في إطار النص الديني فقط، في حين تسعى دراسة الباحث – محمد بازي – إلى توسيع اهتمامات التأويلية التقابلية لتشمل كل الأنماط النصية والخطابية في أفق تمتينها منهجيا، وإعطائها القوة التحليلية القادرة على الوقوف عند بلاغة النصوص وجماليتها؛ وفي مقدمة هذه النصوص -ضمن هذا الكتاب- سورة الفاتحة؛ فكيف ذلك؟
تزخر سورة الفاتحة بثراء معنوي كبير، يفتح الباب أمام المقاربة التأويلية لمحاورته دلاليا، والوقوف عند تقابلاته الظاهرة والخفية، انطلاقا من مداخله المعجمية، عبر مراحل تنطلق من "رصد الوحدات التعبيرية، ثم رصد شبكة علاقاتها، لتجميع كل ذلك في مستوى واحد يعود إلى السطح أولا ، ثم يمتد إلى الذهن ثانيا"[1] .
     ومجمل الخلاصات التي يمكن إيرادها بخصوص قراءة الباحث التأويلية لهذه السورة تتمثل في :
- استقصاء التقابلات الأساسية لمجموعة من المكونات المعجمية للسورة ) الحمد ، الرب ، الملك ، العبادة ، الإستعانة ، الهداية ، الصراط ...(
- منح القارئ إمكانيات هائلة لإدراك مواطن الخصوبة والبلاغة في هذه السورة البديعة .
-         تشقيق معاني الألفاظ واعتماد مختلف أنواع التقابل ) الترادفي، الضدي، التتميمي، النحوي) في توسيع الدلالة ، وبلوغ المعاني الخفية لها .
-               تجميع المعاني التي تمنحها الأبعاد التقابلية لمختلف أجزاء السورة في تشكيل دلالتها العامة، وبيان أوجه بلاغتها وإعجازها .
         على ضوء هذه القراءة التقابلية لسورة الفاتحة -كنموذج من النص القرآني- دعا الباحث إلى التأسيس لبلاغة تأويلية تقابلية في مجال التفسير، تعتمد المداخل اللغوية والنحوية والبلاغية والدلالية للوقوف على أسرار معاني النصوص القرآنية، وترقى بها إلى أعلى درجات الإفادة والإيضاح والإفهام...
         الفصل الثاني: التقابل وبلاغة الحجاج في كتاب إحياء علوم الدين للغزالي:
يمتلك الإمام الغزالي[2] ) ت.505 هـ)  صناعة متميزة في الخطاب، وبلاغة خفية يسحر بها قراءه، وتعكس نمطا من التفكير والتصور حول الحياة والكون والإنسان والدين، يظهر ذلك جليا في كتابه " إحياء علوم الدين" باعتباره – حسب الباحث- قائما على تقابلات تظهر للقارئ منذ أول وهلة إذا ما  تأمل بعض عناوين فصوله ) العبادات مقابل العادات، المهلكات مقابل المنجيات... (.
يمكن رصد أولى ملامح التقابل في كتاب الغزالي من خلال تقابل مركزي[3] بني عليه الكتاب، حيث قسمه صاحبه إلى أربعة أرباع: "ربع العبادات مقابل ريع العادات، ربع المهلكات مقابل ريع المنجيات، وكل ربع يتكون من عشرة كتب"[4]، كما يتأسس هذا الكتاب على علمين متقابلين تقابل تكامل؛ أولهما علم المعاملة القائم على المجاهدات والرياضات، وثانيهما علم المكاشفات أو علم الباطن الذي تتكشف به أسرار الوجود، وتحل به جميع الشكوك والشبه"[5] .
إن المشروع التأويلي للغزالي في كتابه الإحياء قائم على أساس الدنيا مزرعة الآخرة[6]، وهو تقابل تؤول على ضوئه كل أفعال الإنسان التي يبني بها كماله عند الناس في الدنيا ، وبين أفعاله التي يرتضي بها الكمال عند الخالق في الآخرة.
ومن أوجه التقابل التي اعتمدها الغزالي كوسيلة للإقناع والتأثير "التقابلي التمثيلي"؛ وهو تقابل يروم تقريب المعاني من الأفهام بضروب من الأمثلة[7] ، و"التقابل الأخلاقي" الذي يجسد مثلا تقابل الطبيعة الشيطانية في الإنسان مع الطبيعة الملائكية فيه؛ حيث تتقابل صفات الأولى) الخبث، الوقاحة، الرياء المجافة، العبث ...( مع صفات الثانية (العلم، الشجاعة، الحكمة، الكرم، العفة، الحلم، العفو ...).
نخلص أخيرا إلى أن المشروع التأويلي للغزالي في كتابه "الإحياء" ارتكز على البحث عن معاني أسرار المحاور الكبرى التي قسم إليها كتابه، متبعا في ذلك نسقا منهجيا وتأليفيا قائما على أساس مجموعة من التقابلات المستقاة من الكون والحياة والدين، والتي أدت دورها في الإقناع والتأثير والإفهام والإستدلال، وزاد من أثرها ثقافة المؤلف المنطقية ومرجعياته المعرفية وحسه المنهجي والذوقي.
         الفصل الثالث : التقابلات النصية وأثرها في بلاغة الخطاب الشعري:
         الشعر قول وإيحاء، مبني على أساس من التقابلات كالتكثيف والاختزال، والإظهار، والإخفاء، وهو قابل لأن يقرأ على مستويين: ظاهر)معبر عنه(، وباطن       ) مسكوت عنه(. والقراءة التأويلية هي من أنجح القراءات المنهجية التي تشتغل على هذين المستويين معا، وتسمح بفهم الأسس الجمالية التي يتأسس عليها القول الشعري، وهو ما سنسعى إلى تبيّنه رفقة الباحث في رحلته التأويلية لمرثية مالك بن الريب التميمي[8]، عبر تتبعه القصيدة جزءا جزءا؛ فأين يتجلى ذلك ؟
1- مطلع القصيدة ) الأبيات من 1-5 ( : جاء مطلع النص حاملا لمجموعة من التقابلات محورها ذات الشاعر مقابل الآخر(المرأة( - على عادة الشعراء القدامى في مقدماتهم الطللية والغزلية – إضافة إلى تقابلات أخرى: الزمان/المكان، الماضي/الحاضر، الشباب/الشيخوخة، الحلم الجميل/الواقع الصعب، الصحية/المرض...
2- الزفرة والقناع )الأبيات 6-9( : ظلت المعاني تتوالد في خلد الشاعر على المنوال التقابلي القائم على التجاذبات الثنائية والجدلية والتفاعلية[9]، وقد بين التأويل التقابلي لهذه الأبيات أن الشاعر ظل يبكي على الدنيا من خلال حرصه على تحصيل المال والعودة بالغنيمة، مقابل عقيدة الجهاد التي كان من المفروض أن يعلن عنها في هذه القصيدة.
3-الظبية السانحة )الأبيات 10-24( : يزخر هذا المقطع، بمجموعة من البنيات الدلالية المتقابلة[10] التي تزيد النص ثراء وعمقا، وتسير به نحو إدراك الأشياء بمقابلاتها، ومن التقابلات البديعة هنا: استحضار المكون الحيواني )الظبية( في بعده التطيري التشاؤمي(الإخبار بالمأساة) مقابل إقصاء بعده الجمالي المعروف على عادة الجاهليين.
        4- عندما يبكي الحصان صاحبه )الأبيات 25-27( : تجسد الصور التقابلية في هذ المقطع حال الفارس الذي لم يعد قادرا على الارتواء والفرس الذي أصبح يرتوي ارتواء الخائف المتروك الجافل، لما ألم بصاحبه من المرض والانهيار والعجز.
         5- القبر المتروك )الأبيات 28-36 ( : يقوم هذا المقطع على تجاذبات ثنائية عميقة  تثوي وراءها دلالات كثيرة، تقوم على " التضاد أو التماثل أو التوازي أو التتابع، أو التجاور، أو السببية،أو تقابل طرفي الخطاب ..."[11]
    هذه الأبعاد التقابلية ساهمت في تصوير المشهد النهائي لحياة الشاعر عبر إنسياب                                                                                                                                  تعبيري ورثائي قائم على تصور العالم تصورا مزدوجا وثنائيا.
6- الصدى وصداه )الأبيات 37-43( : من التقابلات الممكن الوقوف عليها في هذا المقطع: إثبات ظاهر/ نفي مضمر، سريع إلى الحرب / متثاقل، الإغاثة/اللامبالاة، وهي تقابلات بنيت على اختيارات دقيقة تلائم المعنى المراد التعبير عنه، حيث تجد الشاعر يسترجع مظاهر البطولة في زمن الشباب الذي ولى، ويعتري ذاته في الأمجاد والمفاخر التي سلبت منه لحظة المرض والعجز والإنهيار.
7- مالك الذي لا يملك )الأبيات 57-65) : تفجر إحساس الشاعر القاسي بلحظة دفنه في مكان بعيد عن أهله وموطنه، فعبر عنه بمجموعة من التقابلات الحاضرة ضمنيا في بنية هذا المقطع، وهي تقابلات تبرز مدى الجزع الذي شعر به الشاعر ساعة احتضاره، وحسرته على الدنيا المتروكة بناسها وأمكنتها الجميلة وعيسها وبقرها وملذاتها.
8- نسوة لوشهدنني )الأبيات 57-65( : تضمن هذا المقطع الختمي مجموعة من التقابلات التي تعبر عن انفعال الشاعر باللحظة التي يعيشها بكامل تفاصيلها )الموت، الاحتضار...(، وهي لحظة تؤجج مشاعر الحزن والبكاء، حيث يطلب من صاحبه تبليغ الخبر عنه، وتعرية القلوص )الإبل( مما تحمل؛ "لأن في إزالة الركاب عنها سيمياء وعلامة على أنها فقدت صاحبها، وعندما يراها الأهل دون حمولة ودون راكب، فذلك علامة على الفقد الأكبر والعودة الخاسرة، عودة الناقة وحيدة دون صاحبها"[12] .
لقد حاول الباحث من خلال  هذه التجربة الإنسانية إبراز دور القراءة التأويلية المبنية على أساس التقابلات والثنائيات في الفهم الدقيق للأسس الجمالية التي يتأسس عليها القول الشعري، عبر توليد المعاني انطلاقا من مداخلها اللغوية، النحوية، البلاغية، الدلالية، والتوازيات، والتقاطعات، والتماثلات ...
     الفصل الربع : تقابلات النص وبلاغة الخطاب الشعري الحديث:
توجهت عناية النقاد في مقاربة شعرية النص إلى العناصر اللغوية والتركيبية، والأسلوبية، والرمزية، والبنيات الإستعارية والمجازية وغير ذلك، إلا أنها- في نظر الباحث-  قلما تطرقت إلى البنيات التقابلية باعتبارها مؤطرة للعناصر السابقة، وتعتبر على مستوى حاضر بقوة في جمالية الخطاب الشعري وبنائه؛ لذا تأتي محاولة الباحث - في هذا الصدد- لإعادة الاعتبار لهذا العنصر من خلال قرائته التأويلية لنص شعري حديث لعمر أبي ريشة[13]، تحت عنوان " نسر"، فأين يتجلى ذلك؟
تمد القراءة التأويلية لنص ما القارئَ بأنواع من التقابل، هي "بمثابة مفاتيح لولوج عوالم المعنى، منها: التقابلات المؤطرة، التقابلات الفرعية داخل النص، التقابلات الخلافية والنظيرية، والتقيطية، وغيرها. تقابل النص والعنوان، تقابل المعاني، تقابل الحالات والوضعيات، والتقابلات النحوية، والتقابلات البلاغية، التقابلات الإيقاعية ..."[14]
     أولى التقابلات التي يمكن الوقوف عليها: تقابلات العنوان التي تزود القارئ بإمكانيات تأويلية خصبة، يلج من خلالها عالم النص عبر الربط والتنسيق بينها، ويمدنا عنوان هذا النص "نسر" بالتقابلات التالية: " نسر إنساني مقابل نسر حيواني، نسر السفوح مقابل نسر الأعالي، نسر حي مقابل نسر ميت، نسر معرفة مقابل نسر نكرة، نسر مذكر مقابل نسر مؤنث، نسر قوي مقابل نسر ضعيف، نسر مفرد مقابل نسر جمع، نسر حقيقي مقابل نسر رمزي ..."[15]
هذه الافتراضات التقابلية التي يسمح بها الدال " نسر " تمنح القارئ سيناريوهات تأويلية متشعبة، تتأكد أو تنفى مع تنامي المسار القرائي للنص، ليصل القارئ في الأخير إلى أفق تصوري محدد ومنسجم مع الجسد الدلالي له.
     بعد العنوان يأتي دور المطلع في التلميح إلى التقابل المركزي الذي يسمح بتمثل أولي للمعنى وقد حفل المطلع بمجموعة من التقابلات مثل: "السفوح مقابل القمم، اللعب مقابل الجد، الغضب مقابل الهدوء، المنادي مقابل المنادى ..."[16]، وهي تقابلات تكشف عن تشكل الدلالة في وعي الشاعر ، وإختياره مكونات معجمية وتركيبية دون أخرى للتعبير عن مراده.
        على هذا المنوال، تسير البنية التقابلية في باقي أجزاء القصيدة بشكل تشعبي، وعبر تقابلات فرعية بين البنية الظاهرية والخفية لأبياتها، وهو ما أعطى للقصيدة بلاغتها وشعريتها المميزة، وبالتالي ينبني المعنى وصداه، العالم ومثاله، القول وظلاله، وفق تقابلات وتوازيات دلالية حاضرة وغائبة في بنية الخطاب.[17]
        الفصل 5: التقابل بين الخطابات التأويلية:
يسعى الباحث في هذا الموضع إلى إنجاز مقاربة تقابلية لخطابين يؤولان نصين منقبيين[18]، وهما لباحثين مغربيين معاصرين: عبد الفتاح كليطو ومحمد مفتاح، من أجل تأكيد انفتاح القراءات التأويلية على بعضها البعض، خالقة ما يشبه ورشة عمل قرائية، بديلة للنهج الأحادي في الخطابات التأويلية.
ولتأكيد هذا الأمر، توقف الباحث عند بعض الآليات المضمرة العاملة في تأويلية النص المنقبي خاصة، من أجل بناء نموذج قرائي متحرر من قواعد مؤسسة المنهج الصارمة التي توظف قسرا على أنظمة النصوص.
وأول ما استهل به الباحث هذه الدراسة  تحديد مفهوم النص باعتباره عتبة ومدخلا ضروريا لمن يريد تناول قضية نظرية، أو معالجة نصية وفق تصور منهجي محدد، وفصله على مجموعة من المفاهيم المجاورة له، مثل الخطاب والأثر الأدبي :
* النص والخطاب : يتطابق المفهومان من حيث كونهما ممارسة دالة على الاستعمال اللغوي، ويختلفان على مستوى مادة التعبير: الخطية في النص والشفوية في الخطاب، ووظيفة كل منهما؛ إذ للخطاب وظيفة تواصلية وللنص وظيفة نصية.
* النص واللانص : يتمتع النص بخاصية نوعية، فنية وجمالية تعزله عن اللانص، إضافة إلى انتمائه إلى نسق ثقافي محدد.[19]
* النص والأثر الأدبي : إذا كانت كريستيفا وجنيت قد طرحا بدورهما مجموعة من المفاهيم المرتبطة بالنص (التناص، النص الظاهر، النص المولد، ما وراء النص، جامع النص، النص الأعلى ...) فإن رولان بارت طرح مفهوم النص وميزه عن مفهوم الأثر الأدبي، اعتمادا على مفهوم اللذة، ورسم مجموعة من الحدود بينهما.
فمفهوم النص إذن يسمح بدراسة ظواهر نصية متباينة، منها المناقب، التي سنتوقف على نموذجين تأويليين لها عند كل من كليطو ومفتاح.
         قبل ذلك، نشير إلى أن المناقب تحتوي على عناصر بنائية مشتركة، قائمة على اللغة التي هي مفتاح ولوج العوالم الباطنية للمنقبة، وهي لغة مكثفة ومكتنزة بالإشارات والمصطلحات والرموز، لذا يقترح علي زيعور في كتابه "الكرامة الصوفية" عناصر مساعدة لتأويل النص المنقبي، وهي التقليص والتضخيم، والاختيار.[20]
وبالنسبة لتأويلية النموذجين موضوع الدراسة، نلاحظ أن تأويلية كليطو تنطلق من تأمل وتدبر  معطيات النص سعيا إلى إيجاد علامة أو نقطة انطلاق لربطها بشبكة من العلامات الأخرى، ومن تم إيجاد رأس الخيط التأويلي، في حين تتسلح تأويلية مفتاح بعتاد نظري من اللسانيات، والسيميائيات، والشعريات الحديثة والتداولية، ونظريات البلاغة والتيارات التأويلية الحديثة ...
الفصل 6 : البناء التقابلي في خطاب الحكمة:
كما توقفنا مع الباحث - في الفصول السابقة - على دور خاصية التقابل في صناعة المعنى، وتجلياته في تأويل نصوص متنوعة: قرآنية، صوفية.. يأتى الدور هنا جنس أدبي آخر، وهو  نص حكمي[21] أورده اليوسي [22] في كتابه "المحاضرات" ضمن الباب المتعلق بكلام الأذكياء، هذه القراءة التأويلية تأتي  لدعم الجوانب التصورية والمنهجية التي أشار إليها الباحث، فكيف ذلك؟
من أهم سمات خطاب الحكمة التقابلات البنائية: اللفظية، المعنوية، التركيبية،  الأسلوبية والبلاغية .. والكشف عن هذه التقابلات هو غاية الباحث في هذا الموضع، حيث يلاحظ أن أول تقابل مركزي يمكن استخلاصه من النص هو "أثر الواقع مقابل أثر حركة النفس، فكل ما هو خارجي تبين أنه ناقص أو مزيف، وكل ما استخلصته النفس والوجدان والعقل تبين أنه حقيقي، إنه تقابل الحقائق والأوهام"[23].
هذا التقابل المركزي تفرعت عنه تقابلات فرعية أخرى في شكل ثنائيات نكتفي بإيراد بعضها مثل :"القدر حق/ الحرص باطل. الغدر طبيعة/ الثقة عجز. الموت نازل حتما/ الاطمئنان إلى الدنيا حمق..."[24]
تحمل هذه التقابلات بعدا عميقا، ينم عما استخلصه الكاتب من حكم على ضوء تجربته الحياتية والمعرفية، وخلاصات علاقته بالقيم والحياة والناس ...
خاتمــة :
         لقد سعى الكاتب – محمد البازي – من خلال مؤلفه هذا إلى تأسيس جمالية تأويلية تعتمد على الطاقات الدلالية والمعنوية التي تختزنها اللغة والتراكيب في  نصوص مختلفة، وعلى التقابل الذي يشكل العمود الفكري لأنساق التواصل، من خلال مجاورة المعاني بعضها ببعض، والتقريب بينها على مستوى التصور والتعرف والإدراك، تبعا للعلاقات الموجودة بين الكلمات والأساليب والضمائر والعلامات والبنيات البلاغية، وعلى إثر ذلك غدا التأويل التقابلي بحق استراتيجية وآلية فعالة لصناعة المعنى، وفهم النصوص والخطابات وتفهيمها، كما أمكن اعتبار تصورات الباحث المتناثرة في كتبه بمثابة مقدمات مؤسسة لنظرية موسعة ومتماسكة حول التأويل التقابلي، وهو ما سيبرز بشكل جلي مع كتابه الجديد الذي صدر حديثا تحت عنوان " نظرية التأويل التقابلي، مقدمات لمعرفة بديلة للنص والخطاب".  


 قائمة المصادر والمراجع:

1.     الإدريسي، يوسف : عتبات النص، بحث في التراث العربي والخطاب النقدي المعاصر، ط.1، منشورات مقاربات، أسفي، 2008.
2.     بازي، محمد:
·        التأويلية العربية: نحونموذج تساندي في فهم النصوص والخطابات، الدار العربية            للعلوم/بيروت ومنشورات الاختلاف/ الجزائر، ط.1، 2011.
·        تقابلات النص وبلاغة الخطاب، نحو تأويل تقابلي، دار بيروت ومنشورات الاختلاف، الجزائر، ط.1، 2010.
·        نظرية التأويل التقابلي، مقدمات لمعرفة بديلة للنص والخطاب، منشورات ضفاف/الرباط    و منشورات الاختلاف/الجزائر، ط.1، 2013 .
3.     الحربي، فرحان بدري : الأسلوبية في النقد العربي الحديث (دراسة في تحليل الخطاب)، مجد المؤسسة الجامعية  للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت،ط.1، 2003.
4.     العبد، محمد : اللغة والإبداع الأدبي، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، ط1، 1989، ص.36.
5.     مفتاح، محمد : تحليل الخطاب الشعري، استراتيجة التناص، المركز الثقافي العربي، بيروت- الدار البيضاء،ط.2، 1986.
6.     ابن منظور، جمال الدين أبو الفضل محمد بن مكرم : لسان العرب، دار صادر، ط.6، 1997.
7.     فيود، بسيوني عبد الفتاح: علم المعاني: دراسة بلاغية ونقدية لمسائل المعاني، مؤسسة المختار/ القاهرة ودار المعالم الثقافية/ الأحساء، ط.1، 1998.
8.     القرعان، فايز: التماثل والتقابل في القرآن الكريم، عالم الكتب الحديث، إربد/ الأردن، وجدارا للكتاب العالمي/ عمان،  ط.1، 2006.
9.     كليطو، عبد الفتاح: الأدب والغرابة، دراسات بنيوية في الأدب العربي، دار الطليعة، بيروت، ط.1.
10.                       يقطين، سعيد  : انفتاح النص الروائي(النص- السياق)، المركز الثقافي العربي، بيروت- البيضاء، ط.1، 1989.




[1]  فايز القرعان: التماثل والتقابل في القرآن الكريم، عالم الكتب الحديث، إربد/ الأردن، وجدارا للكتاب العالمي/ عمان،
    ط.1، 2006، ص.284.
[2]  أبو حامد الغزالي: ولد بطوس سنة 450هـ ، كان والده يغزل الصوف ويبيعه، سافر إلى نيسابور واجتهد في تحصيل
     العلم، فبرع في الجدل والمنطق والحكمة والفلسفة، وكان شديد الذكاء، عميق المعاني، غواصا على الأسرار الدقيقة.
[3] التقابل المركزي: يتبينه المؤول من خلال اطلاعه الأولي الاستقصائي على النص. وهو غير كاف لبناء الدلالة الكلية،
   لكنه قد يعتمد كقاعدة لفهم النص أو تفهيمه، وعليه تتأسس بقية التقابلات التفصيلية و الجزئية.
[4] محمد بازي: تقابلات النص وبلاغة الخطاب، نحو تأويل تقابلي، مذكور، ص.34.
  انظر أيضا: أبو حامد الغزالي: إحياء علوم الدين، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د.ت.
[5] نفسه، ص.37.
[6] نفسه، ص.45.
[7] راجع: أبو حامد الغزالي: إحياء علوم الدين، مذكور، ص.6-7-27 -288 .
[8]  مالك بن الريب التميمي: من الشعراء الصعاليك في أيام بني امية، نشأ في بادية بني تميم، وفي يوم مر عليه سعيد بن    عثمان بن عفان -حفيد الصحابي عثمان بن عفان-  وهو متوجه لإخماد فتنة في تمرّد بأرض  خُرسان  فأغراه بالجهاد في سبيل الله بدلاّ من قطع الطريق، فاستجاب لنصحه وذهب معه وأبلى بلاءً حسناً وحسنت سيرته، وفي عودته بعد الغزو مرض مرضا شديدا وأحس بالموت فقال قصيدة يرثي فيها نفسه. وصارت قصيدته تعرف ببكائية مالك بن الريب التميمي.
[9] محمد بازي: تقابلات النص وبلاغة الخطاب، نحو تأويل تقابلي، مذكور، ص.80.
[10] انظر: المرجع السابق، ص.84-87.
[11]  المرجع السابق، ص.92.
[12] المرجع السابق، ص.105.
[13] عمر أبوريشة: ولد في منبج بلدة البحتري وأبي تمام و أبي فراس الحمداني في سوريا عام 1910م. نشأ يتيما وتلقى تعليمه الابتدائي في حلب، وأكمل دراسته الجامعية في بيروت في الجامعة الأمريكية وحصل على شهادة البكالوريوس في العلوم عام 1930م، ثم أكمل دراسته في لندن في صناعة النسيج ، وهناك قام بدعوة واسعة للدين الإسلامي بلندن..ثار على الأوضاع السياسية في بلادة بعد الاستقلال وآمن بوحدة الوطن العربي وانفعل بأحداث الأمة العربية بشدة . تُوفي رحمه الله في الرياض عام 1990 م.
[14] محمد بازي: تقابلات النص وبلاغة الخطاب، نحو تأويل تقابلي، مذكور، ص.110.
[15] المرجع السابق، ص.111- 112.
[16] نفسه، ص.114.
[17] نفسه، ص.127.
[18] النص المنقبي أو المنقبة: شكل سردي يحكي عن حياة أشخاص مخصوصين بالقدسية، وعن كراماتهم وخوارقهم، وهي
    شكل من اشكال الترجمة أو بيوغرافيا خاصة بشخص معين، في مكان وزمان محددين.
[19] للتوسع ينظر: عبد الفتاح كليطو: الأدب والغرابة، دراسات بنيوية في الأدب العربي، دار الطليعة، بيروت، ط.1،
     ص.14.
[20] محمد بازي: تقابلات النص وبلاغة الخطاب، نحو تأويل تقابلي، مذكور، ص.143.
 انظر أيضا: علي زيعور : الكرامة الصوفية، الأسطورة والحلم، دار الطليعة، بيروت، ط.1، 1977، ص.47 و مابعدها.
[21] انظره في : محمد بازي: مرجع سابق، ص.161-162.
[22] الحسن اليوسي (1040هـ - 1102هـ) :  من أكابر علماء المغرب في عصره، فقيه، محدث، أديب، مؤرخ، صوفي
    فاضل، لقب بصاعقة  العلوم..
[23] محمد بازي: مرجع سابق، ص.162.
[24] نفسه، ص.169.

شارك المقالة عبر:

اترك تعليقا: