التوبة محمد بازي


التوبة

محمد بازي


يا حاذي التوبة، ها هي خُيولُك تَعْبر بِك بحر الدنيا، لتلحقَك مُسْرجةً في بيادر الآخرة،  وتأتيك خيلٌ أخرى في مقامات البياض كنت تركبُها..التوبةُ الآن شَريطٌ من نور ...والصَّدْر مَرعى للدُّعاء،  ينتعل الشِّفاه إلى صفاء الصَّمد.

خَيْلي القديمة المُتعبةُ تَلْعَنُ الطَّريق....إنها بدايات لصهيل آخر  يعبر حثيثا وادَ الطُّهر..وفي الضفة الأخرى تَنْطَلقُ بِفُرْسان من نور..



     يا الله، بلِّغْني بَرْدا في حُبِّك، وحُبِّ مُحِبيكَ السالكين بحور الصَّفاء..

بَلِّغْني عينَ ماءٍ باردةٍ ترقد أسفل الأرض، وتحضنني كأمي لتُبرِدَ حمأةَ النَّهار المُصَهَّد..
بلِّغني جناتٍ تحتها الأنهار، ثم ملكوتَ التَّسبيح إلى منتهى الفردوس،   إلى جنة المأوى،  ثم إليك..يا الله.

سقتني الدانية كل أكواب الخُسران، وعَرَّتني الكَذاَّبة من فِطرتي ثم كسَتني خَزَّ الكُفْران.
  قَلِقةً.. ظلت تنأى أخطبوطا في بَحْر خامِد،  فَرِحَةً لازالت تُقْبِل أخطبوطا في كل لون جامِد.  
التوبة محمد بازي

         لا أبرح شاطئ التوبة قربَك،  وبي رعشة التَّائبين...ليس القبر رِكابا،  ولا الكَفَن نَصْلا، ولا التابوت عُكازا .. فلا تدَع شَبح الكَيِّ يقرُب الجسد..وَسِّعْ  له برحمتك هناك حَدَّ الأمد، واجعل في الصَّفح بابا لقلب لم يَحْسُد...لكنه أعمى،  قَسَمًا كان أعمى !ها خُفُّه في عراء الأيام مطروحٌ مثل لُعاب حُنَين.. 
و الرأس دَلْوٌ مقعور لم تَخِطْه خيوط الحِكْمة ولا إِبَرُ الواعظين..ظل حِذاءً للشَّهوات العابرة نهرَ شيطانٍ عانَدني وفي مسالكِ الرؤيةِ انتشى-  هو العَدُوُّ- ثُم عَرْبَد..إني أبسط دعائي على الجسد الآن أمام السؤال...ثبتني على الشهادة ونور وَعْدها، لم تكن دنياي َ إلا سفينة للإبحار في يَمِّ الذنوب.. قد أبحرتُ فعرفتها، وإن تنكرتْ في أثواب الرِّبح القشيبة ...ففي الخُسْران عَرفتُها ..وإن كانت بعدي ستصدق القول ففي الكَذِب _أمَدًا_ عَرفتُها..
         وستظل مع الآخِرين كما كانت مع الأولين..فليتني خالفتُها.. غير أني مقيمٌ على بابِك...لا أبرح ظلَّك..السماء تنفتح بنور أراه،   آه ٍما أبهاه! يلج خُلجان القَلب الباردة،   ثم يكبر وقد قَرَّتْ الروح في حِياض النَّبي...لأصعدَ أريجا من المِسْكِ إلى مسالِكِ المَلَكوتِ بَهِيًّا.. ثم ارتفَعَ- من بحرٍ يسبح في ليلة مُقْمرة - نورسُ الشَهادة في الجِنان وعاد مُبشِّرا... قال: اِصْعد إلى ما شاء رَبك واسْعَد..اِصْعَد ..هذا بحرك صافيا مُبْهِجا،  والروح لا تنفك تمتد ..لهذا الملكوت البهي اختارك سيدي ..كتبتَ الشهادة يوما بِلِسانِك وعرفانِك اللَّدُني النَّدي..
وظللتَ تكتُبها في روحِك َ ودينُك مُحَمَّدي[1]..




[1] - قرأت هذا الكلام في محفل، ولما كان اليوم الموالي تلقيت رسالة في محفل آخر:
"أستاذي الكريم....قريبا من لحظة قراءتك لنص:" بَهْجَةٌ غَريبَةٌ وبَحْرٌ يَموج بالنُّور". في كلام مبعثر قد لا يجمعه جامع، ولا ينظمه ناظم" أقسم كان هناك نور، وكانت هناك بهجة عظيمة، في بحر يموج، ويموج دون أن يرسو. كانت لحظة غريبة فعلا. أراقبك فيها دون أن تتحدد مشاعر معينة وتتكشف. فقط كان هناك خليط من المشاعر المندفعة، أو ربما المكتومة. مزيج من الدفقات، لن تسعفني أي لغة لنقله أو تصويره أو حتى إعادة التفكير فيه، لأنه ينفلت عن محدودية اللغات، وينزلق عن أي تركيب وتأليف. بالأحرى إن العربية / بحر الدرر، ليس بوسعها بيانه. لعل صورة ما، لأب لم أعرفه، لم يعرفني، لم أره، لم يرني، لم أصافحه لم يصافحني، لم أحضنه، ولم يلدني. كانت صورة أب ماثلة أمامي، أب من لا زمن. من لا أرض، ربما من عتيق الأندلس، من طوق الحمامة، من أغنية بعيدة خافتة، ذات نبرة صينية، مشفوعة بترنيمة من وحي الأندلس المفقود. أو لعل صورا كثيرة كانت تتشابك في المخيلة، تنطفئ واحدة، وتضيء جارتها. كانت لحظة أبدية سرمدية. المشهد كله لم يكن في حاجة إلى تعبير، كانت دمعة واحدة لو أسعَفَت بصبيبها، لو ساعدت بمعينها، لشَفَت وكفت. حينما كنت تقرأ كانت معاني الارتواء حاضرة، ومعاني الإجداب ماثلة، ومعان كثيرة؛ الوابل والصيب والهطول... والكثير.. قد لا يكون السبب في كل هذا هو الشكل ولا هو المضمون، ولا هو القارئ، ولا هو المقروء، ولا السامع ولا المسموع، لعل السبب هو كل ذلك، أو لا شيء من ذلك، لعلها اللحظة ومجالها، الدائرة ومدارها، الجوهرة وفلكها، والدرة وحوزتها. كانت كل الجمل حاضرة، في حفل أشبه بالحزين منه إلى البهيج. كانت نغمة صاعدة:" في ليلة جاءتني رؤيا: جاريتان مسنتان واقفتان وسط حوض فارغ ترشانه بقطرات ماء لعله يرتوي، وعلى حافة الحوض أميرة سمرقند تحدق بعينيها الواسعتين في رمانة حمراء."  تلميذك يوسف أيت لحسن.
ووصلني خطاب في محفل آخر:
    يراودني الحنين الى الوزرة البيضاء،حينها نتحلق حولك كالمريدين تحرقنا شموس "السياق" و تظللنا سحب الغيابة حين تأخذك المسارات و تحكي عن صور لصحراء بعيدة ... ما كنت أعلم أني سأعبر "تانسيخت" الى "النقوب"، ربما لأرمم ما سقط مني عند امرأة تغمس يديها في الطين البارد وتقول لي: هي

الحياة سفر طويل . أعلم الآن سر سهومك العميق،أجزم أنها الصحراء فعلت بك أفعالها،ولم تكتب عن صحراء التأويل كنت تقول بحور التأويل. بيني و بينكم كان شوقا الى النبع لا يسكنه اللقاء .
 تلميذك أحمد بوزيد
15 octobre 2013 21:49
أجاب الغافي
العزيزان يوسف وأحمد،
 أطيب التحايا لروحيكما، لعلكما ألآن وتقديرا للتأخير الحاصل في طبع هذا الكتاب، قد تفرغتما إلى شيخوخة هادئة وحكيمة. أقول: لقد حركتُكما فيَّ شجن الكتابة، وما كنتُ أعلم أنكما مرابطان في تلك البقاع التي تركتْ أثرها في صحائف الضلوع، وبصَمَت الروح بما بصَمَتْ به روحيكما أنتما كذلك. لقد جاءت لغتكما في منتهى الروحانية التي يولدها المكان في الغرباء، المسكونين بالبحر الهائمين بالكتابة وتذكرت قول ابن عربي الزمان مكان سائل والمكان زمان متجمد،. إنه أثر النخيل والصمت الممتد بين الجبال المتصاعد إلى السماء. كلما تذكرت المكان لفظني الزمان.  الآن كذلك فهمت سر صمتكما وعزوفكما عن الاغتراف من ساقية الحِصص، لعلكما كنتما تتهيآن لدخول العالم المعنوي المطلق لوادي درعة،ذلك ما حصل.
       جميل أن تتجاوب الأرواح وهي بعيدة، وعجيب أمر اللغة كيف تسطيع أن تنقل كبد الأحاسيس الطرية، عندما تشعر أن هناك في أماكن مختلفة أرواح تجري أفراسها في مضمار زمنكما وهي بعيدة عن ميادينكما، تتناسخ الأرواح بما تتعلق به، وخير ما يجمعها الناموس الإيماني، وملكوت التسبيح، فتتدخل في شريعة الكون المسبح، الحامد الشاكر الشاعر برحمة الله وبركاته.


شارك المقالة عبر:

اترك تعليقا: