بلاغة التأويل التقابلي في الخطاب القرآني سورة الشرح متنا


ذ. لحسن إفركان


"اعلم أن في تقابل المعاني بابا عظيما يحتاج إلى فضل تأمل"
 برهان الدين الزركشي
تمهيد
        يروم هذا الفصل، محاورة الخطاب القرآني من خلال سورة الشرح الكريمة. علما أن المؤلفات التي حاولت التأسيس للتأويل التقابلي في النصوص القرآنية لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، واقفة عند حدود التنظير، دون الانتقال إلى الممارسة.باستثناء دراسة محمد بازي لسورة الفاتحة[1].
1-السورة في مرآة السياق
        ترتبط سورة" الشرح" بواقعة تاريخية أو لنقل بسبب نزول يتمثل كما قال السيوطي في تعيير المشركين للمسلمين بالفقر، وانطلاقا من ذلك يتجلى التقابل بين السورة وسياقها أو سبب نزولها. وكذلك التقابل بين عالم الكفر  الظلماني، و عالم الإسلام النوراني، وسنة التدافع بينهما. وتقابل التتميم بين السورة وسابقتها سورة الضحى. يقول أبو حيان: "هذه السورة مكية . ومناسبتها لما قبلها ظاهرة"و إذا كان هذا هو السياق العام، فإننا سنحاول الوقوف عند كل آية لرصد التقابلات بمختلف أنواعها.بهدف جمع لحمة النص أكثر من تفكيكها في اتجاه بناء المعنى.


2-بلاغة التقابل في السورة:
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1)يظهر من الآية التقابل بين المخاطِـب الله عز وجل، والمخاطَب وهو الرسول صلى الله عليه و سلم. وبين ضمير الجمع في نشرح الدال على عظمة الله عز وجل، و كاف الخطاب في لك.و نضيف كذلك تقابل الزمن في نشرح المضارع و الدال على"خبر كائن و لم ينقطع"[2] ؛ فالشرح وإن اختص بالرسول صلى الله عليه وسلم، فهو ممتد للمسلمين كافة قال عز وجل:(فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام)[3]. و ها هنا تقابل بين الشرح المادي الذي اختص به الرسول و الشرح المعنوي الذي يهدي به الله من شاء من عباده. روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"جاءني ملك فشق عن قلبي، فاستخرج منه عذرة وقال:قلبك وكيع، وعيناك بصيرتان، وأذناك سميعتان، أنت محمد رسول الله لسانك صادق، ونفسك مطمئنة، وخلقك قثم، وأنت قيم"[4]
كما يمكننا رصد التقابل بين
الفعل
المحل المشروح
 الشرح
الصدر
وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) ما يزال تقابل الضمير يحكم السورة من خلال ضميري "نا" و الكاف، وتقابل فعل الوضع بالموضوع الوزر.و كلمة الوضع تستعمل لغويا لما فيه ثقل و إرهاق، ومن ثمة تقابلها مع الأوزار الثقيلة المرهقة التي تنزه عنها الرسول الكريم غير أنه يحس بعظمة كل لمم من الأوزار قليل.
الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) الذي هنا اسم موصول يعرض لتقابل توضيحي بينه وبين الوزر وبالتالي فهما متعادلان، يمكن كتابتهما بهذه الصيغة
                    الذي=الوزر
وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) يعن لنا هنا التقابل النقيضي بين الألفاظ وضعنا/رفعنا. الذكر/الوزر والحرفين عنك/لك. وكل هذه تقابلات تبين لنا مكانة الرسول صلى الله عليه و سلم فاقتران الذكر المختص بالله به صلى الله عليه و سلم يبلغ به أقصى المدى من الإيناس والرفعة[5] ويحضر في السورة كذلك نوع من التوازي بين جملتي" وضعنا عنك وزرك". و" رفعنا لك ذكرك".
 فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) في هذه الآية تقابل تكرير لغرض التوضيح و التثبيت، والتحقيق، ثم تقابل مع الآيات السابقة. أو ما يسمى بتقابل النظائر النصية. فكأن هذا نتيجة لما سبق ذكره من تعداد للنعم.ولما كان التقابل لا يقتصر على الأضداد بل يشتمل المرادفات و المتممات. يمكن أن نتحدث عن تقابل التكرير في علاقته بالسور المكية.إذ له وظيفة في تحقيق اليقين  خصوصا وأن العهد بالرسالة قريب.واستعمال الحرف "مع" الدال على المصاحبة والاصطحاب في مقابل غيره من الحروف لتقرير من الله عز وجل بقرب"البر حتى جعله كالمقارن للعسر زيادة في التسلية وتقوية القلوب"[6]



فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7)هنا تقابل بين جملة الشرط وجواب الشرط
جملة الشرط
جواب الشرط
الفراغ
النصب والقيام للعبادة والذكر

وهو تقابل جزئي بالإمكان أن يتفرع عنه تقابل نووي أكبر وهو الدنيا في مقابل الآخرة.والمعاش النهاري في مقابل اللباس الليلي و الذكر الرباني. وتأتي الآية ككل في مقابل الآية السابقة المبشرة للمؤمنين باليسر. وهكذا فالنعم تقابل العبادة والطاعة.
وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8) حرف الجر "إلى" هو اتجاه نحو الانقياد إلى طاعة الله. و جر من الدنيا نحو الآخرة.ومن الاية يظهر التقابل بين الرغبة الى الله في مقابل الرغبة الى غيره.
 
3-على سبيل الختم:
نصل في نهاية هذا التحليل إلى استخلاص أهم النتائج التي توصلنا إليها وتتمثل فيما يلي:
إن ما يتحكم في السورة هو خطاب الطمأنة لرسول الله والمؤمنين يومئذ و سائر المؤمنين بعد ذلك. وقد حوت السورة الكريمة تقابلات عدة تساندت في ما بينها من أجل بناء المعنى العام للسورة والتي ألفينا فيها:
·      تقابلات نقيضية:وضعنا/رفعنا، وزر/ذكر...
·      تقابل التكرير:فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا.
·      تقابلات النظائر النصية:بين آيات سورة الشرح وآيات سور أخرى.
·      تقابل النص وسياقه:بين الآيات وسبب نزول السورة.

ويبقى نواة التقابل ذاك المنفتح على الكون في السورة المبني على عالمين:



 
        عالم النورانية                                 عالم الظلمانية                                           
   بما فيه من نعم وعبادة                              بما يحويه من أوزار وظلال




[1] محمد بازي: تقابلات النص وبلاغة الخطاب. الدار العربية للعلوم ناشرون ومنشورات الاختلاف.2010
[2] محمود شاكر:المتنبي رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، مطبعة المدني، القاهرة.د.ط،1987.ص:13
[3] الزمر.الآية:125
[4] القرطبي:الجامع لأحكام القرآن،المجلد العاشر.دار الكتب العلمية،بيروت،ص:71
[5] عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ:التفسير البياني للقرآن الكريم،دار المعارف،مصر.ط.2،الجزء، 25 ، 1966.ص.ص:62-63
[6] جار الله الزمخشري:الكشاف. مذكور، الجزء الرابع.ص:221.

شارك المقالة عبر:

اترك تعليقا: